**** دعبل الخزاعي ****
و قصيدته التائية الشهيرة
التي أنشدها بحضرة الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام )
تجاوبن بالأرنان و الزفرات **** نوائح عجم اللفظ و النطقات
يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس **** اسارى هوى ماض و آخر آت
فاسعدن و اسعفن حتى تقوضت **** صفوف الدجى بالفجر منهزمات
على العرصات الخاليات من المهى **** سلام شج صب على العرصات
فعهدي بها خضر المعاهد مألفاً **** من العطرات البيض و الخضرات
ليالي يعدين الوصال على القلى **** و يعدي تدانينا على الغربات
و اذ هن يلحظن العيون سوافراً **** و يسترن بالأيدي على الوجنات
و اذ كل يوم لي بلحظي نشوة **** يبيت لها قلبي على نشوات
فكم حسرات هاجها بمحسر **** وقوفي يوم الجمع من عرفات
ألم تر للأيام ما جر جورها **** على الناس من نقص و طول شتات
و من دول المستهزئين و من غدا **** بهم طالبا للنور في الظلمات
فكيف و من أنى يطالب زلفة **** الى الله بعد الصوم و الصلوات
سوى حب أبناء النبي و رهطه **** و بغض بني الزرقاء و العبلات
و هند و ما أدت سمية و ابنها **** اولوا الكفر في الاسلام و الفجرات
هم نقضوا عهد الكتاب و فرضه **** و محكمه بالزور و الشبهات
و لم تك الا محنة كشفتهم **** بدعوى ضلال من هن وهنات
تراث بلا قربى و ملك بلا هدى **** و حكم بلا شورى بغير هداة
رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة **** وردت اجاجا طعم كل فرات
و ما سهلت تلك المذاهب فيهم **** على الناس الا بيعة الفلتات
و لو قلدوا الموصى إليه زمامها **** لزمت بمأمون على العثرات
أخي خاتم الرسل المصطفى من القذى **** و مفترس الأبطال في الغمرات
فان جحدوا كان الغدير شهيده **** و بدر و احد شامخ الهضبات
و آي ٍ من القرآن تتلى بفضله **** و ايثاره بالقوت في اللزبات
مناقب لم تدرك بكيد و لم تنل **** بشئ سوى حد القنا الذربات
نجي لجبريل الأمين و أنتم **** عكوف على العزى معاً و مناة
ذكرت محل الربع من عرفات **** فأجريت دمع العين بالعبرات
و فل عرى صبري و هاجت صبابتي **** رسوم ديار أقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة **** و منزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى **** و بالركن و التعريف و الجمرات
ديار لعبدالله بالخيف من منى **** و للسيد الداعي إلى الصلوات
ديار علي و الحسين و جعفر **** و حمزة و السجاد ذي الثفنات
ديار لعبدالله و الفضل تلوه **** نجي رسول الله في الخلوات
و سبطي رسول الله و ابني وصيه **** و وارث علم الله و الحسنات
منازل وحي الله ينزل بينها **** على أحمد المذكور في السورات
منازل قوم يهتدى بهداهم **** فتؤمن منهم زلة العثرات
منازل كانت للصلاة و للتقى **** و للصوم و التطهير و الحسنات
منازل لا فعل يحل بريعها **** و لا ابن فعال هاتك الحرمات
منازل جبريل الأمين يزورها **** من الله بالتسليم و الرحمات
منازل وحي الله معدن علمه **** سبيل رشاد واضح الطرقات
ديار عفاها جور كل منابذ **** و لم تعف بالأيام و السنوات
فيا وارثي علم النبي و آله **** عليكم سلام دائم النفحات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها **** متى عهدها بالصوم و الصلوات ؟!
و أين الألى شطت بهم غربة النوى **** أفانين في الأطراف منقبضات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا **** و هم خير قادات و خير حماة
مطاعيم في الإعسار في كل مشهد **** لقد شرفوا بالفضل و البركات
أئمة عدل يقتدى بفعالهم **** و تؤمن منهم زلة العثرات
و ما الناس إلا غاضب و مكذب **** و مضطغن ذو أحنة و ترات
إذا ذكروا قتلى ببدر و خيبر **** و يوم حنين أسبلوا العبرات
فكيف يحبون النبي و رهطه **** و هم تركوا أحشاءهم وغرات
لقد لا ينوه في المقال و اضمروا **** قلوباً على الأحقاد منطويات
فان لم تكن الا بقربي محمد **** فهاشم اولى من هن وهنات
سقى الله قبرا بالمدينة غيثه **** فقد حل فيه الا من بالبركات
نبي الهدى صلى عليه مليكه **** و بلغ عنا روحه التحفات
و صلى عليه ماذر شارق **** و لاحت نجوم الليل مبتدرات
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا **** و قد مات عطشانا بشط فرات
اذا للطمت الخد فاطم عنده **** و أجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير و اندبي **** نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان و أخرى بطيبة **** و أخرى بفخ نالها صلواتي
و آخر من بعد النبي مبارك **** زكي آوى بغداد في الحفرات
توفوا عطاشا بالعراء فليتني **** توفيت فيها قبل حين وفاتي
و قبر بأرض الجوزجان محله **** و قبر بباخمرى لدى العرمات
و قبر ببغداد لنفس زكية **** تضمنها الرحمن في العرصات
و قبر بطوس يالها من مصيبة **** تردد بين الصدر و الحجبات
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم **** سقتني بكأس الثكل و الصعقات
فأما الممضات التي لست بالغا **** مبالغها مني بكنه صفات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما **** يفرج منها الهم و الكربات
نفوس لدى النهرين من بطن كربلا **** معرسهم فيها بشط فرات
أخاف بأن ازدارهم و يشوقني **** معرسهم بالجزع من نخلات
تقسمهم ريب المنون فما ترى **** لهم عقدة مغشية الحجرات
سوى أن منهم بالمدينة عصبة **** مدى الدهر أضناه من الأزمات
قليلة زوار سوى بعض زور **** من الضبع و العقبان و الرخمات
لها كل حين نومة بمضاجع **** لهم من نواحي الأرض مختلفات
و قد كان منهم بالحجاز و أهلها **** مغاوير نحارون في السنوات
تنكب لأواء السنين جوارهم **** فلا تصطليهم جمرة الجمرات
إذا وردوا خيلا تشمس بالقنا **** مشارع موت أفخموا الغمرات
و إن فخروا يوما أتوا بمحمد **** و جبريل و الفرقان و السورات
ملامك في أهل النبي فإنهم **** أحباي ما عاشوا و أهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لامري فإنهم **** على كل حال خيرة الخيرات
فيا رب زدني من يقيني بصيرة **** و زد حبهم يا رب في حسناتي
بنفسي أنتم من كهول و فتية **** لفك عناة أو لحمل ديات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم **** و أهجر فيكم أسرتي و بناتي
و أكتم حبيكم مخافة كاشح **** عتيد لأهل الحق غير موات
لقد حفت الأيام حولي بشرها **** و إني لأرجو الأمن بعد وفاتي
ألم تر إني مذ ثلاثين حجة **** أروح و أغدو دائم الحسرات ؟!
أرى فيئهم في غيرهم متقسما **** و أيديهم من فيئهم صفرات
فآل رسول الله نحف جسومهم **** و آل زياد حفل القصرات
بنات زياد في القصور مصونة **** و آل رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم **** أكفا من الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد **** لقطع قلبي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج **** يقوم على اسم الله و البركات
يميز فينا كل حق و باطل **** و يجزي على النعماء و النقمات
سأقصر نفسي جاهدا عن جدالهم **** كفاني ما ألقى من العبرات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري **** فغير بعيد كل ما هو آت
فإن قرب الرحمن من تلك مدتي **** و أخر من عمري لطول حياتي
شفيت و لم أترك لنفسي رزية **** و رويت منهم منصلي و قناتي
أحاول نقل الشمس من مستقرها **** و أسمع أحجارا من الصلدات
فمن عارف لم ينتفع و معاند **** يميل مع الأهواء و الشبهات
قصاراي منهم أن أموت بغصة **** تردد بين الصدر و اللهوات
كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها **** لما ضمنت من شدة الزفرات